الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة عنف عابر للمدن في الملاعب التونسية : الغورة" تعدم "الكورة"

نشر في  09 أفريل 2014  (20:37)

منذ ثلاث سنوات تقريبا وتزامنا مع اندلاع أحداث 14 جانفي، صار المشهد الكروي بتونس يتهاوى بشكل ضبابي جعل الرؤية شبه منعدمة طالما أن الفصول باتت تتكرر في تراجيدية مؤلمة توحي بأن كل الذي بني على امتداد عقود صار آيلا للاندثار بفعل انتشار "الهوليغانز الجدد" التونسيين قلبا وقالبا ممن استهواهم العنف واعتمدوه حلاّ بديلا عن المعاني والمبادىء الجميلة والنبيلة لكرة القدم كرياضة جعلت منذ نشأتها أداة للتعارف والتحابب ولا للتفرقة وزرع بذور الجهوية المقيتة.
وعن أنفسنا كاعلاميين، يجوز لنا القول صراحة انّنا مللنا الخوض في نفس التفاصيل والحيثيات التي تتكرّر من جولة الى أخرى ولا يختلف بين هذا الأسبوع وذاك غير مسرح اندلاع شرارة العنف الذي بات من البهارات الأساسية لكرة القدم التونسية بشكلها جعلها يشار اليها بالبنان..لا بفعل تميزها ورقيّ انتاجها من المواهب بل باستشراء العنف والترهيب والارهاب الكروي الصريح الذي صار سلاح الكثيرين لحفظ ماء الوجه والهروب من المحاسبة الجماهيرية..
ما الذي حصل حتى تستحيل بلادنا وعلى وجه التحديد ملاعبنا الرياضية الى بؤر لتفريخ "التتّار الجدد" ممن أضحوا اخصائيين في ترويع المنافسين والحكام والاعلاميين؟..واقتصر كل جهدهم على بث التفرقة وخلق الرعب وتحويل ملاعبنا الى ماركة مسجّلة للعنف ومشتقّاته...
الحديث عن هذه الفوضى دفعنا اليه اجباريا ما جدّ يوم الأحد في قفصة على هامش منع جماهير من الفريق وبمباركة من هيئة خالد بنور وعلى مرأى ومسمع أعوان الأمن منع لوسائل الاعلام من تغطية مواجهة القوافل للملعب القابسي وهذا ما يوحي بالكثير من الدلالات بين السطور على المغزى من الفيتو وهو التعتيم على أي تغطية اعلامية كانت وستكون لما قد يحدث من تجاوزات في مواجهة أدارها محمد بن حسانة وانتهت لمصلحة "القفاصة"..ويبدو أن نتيجتها لن تتغيّر حتى وان جيء ببيار لويجي كولينا يومها لتحكيم هذا اللقاء..
هذا السيناريو -ومع احترامنا لجهة قفصة- لا يشرّف عاصمة المناجم بتاتا بل انه بات "ايتيكات" ملتصقة بالقوافل اذ جدّ نفس السيناريو منذ سنة ضد نفس المنافس وهو الملعب القابسي في تلك المواجهة التي اندلعت فيها قضية اللاعب شرف الدين بلحاج مع عون الحرس..وقبلها ما جدّ لبعثة نادي حمام الأنف في قفصة..ولذلك فان مثل هذا التعامل مرفوض طولا وعرضا ويتطلب فضحه والتشهير به حتى يرتدع أنصار رابطة حماية الفوضى في ملاعب الكرة التونسية...

قابس و"مقاطع الحجارة"
غير بعيد عن قفصة شهدت عاصمة الحناء قابس ثلاث حوادث مختلفة ولكنها تصب في نفس الخانة، وكانت البداية بفاجعة كادت تتسبب فيها جماهير مستقبل قابس زمن انتمءؤ فريقها الى الرابطة المحترفة الأولى، وأثناء مواجهة الأولمبي الباجي تمّ الاعتداء على المدرب السويسري كريستيان زرمتان وهو ما دفعه الى الفرار من تلك التجربة..
في النصف الثاني من قابس حيث تحتكر "الستيدة " الأضواء، بادرت فئة من جماهير هذا الأخير برمي الحجارة والمقذوفات من كل لون لتشمل بالأساس لاعبي النادي الصفاقسي في موسمين متتاليين مما كاد ينهي حياة اللاعب الشاب أسامة الحسيني بعد اصابته بارتجاج في المخ..ومع ذلك اقتصر رد الجامعة بعقوبة مدتها اجراء بضع مقابلات بصيغة "الويكلو" وهو ما يعني ضمنيا السماح للشواذ من الجماهير الرياضية باتيان جرائمهم في حق كرتنا.

سحب كثيفة من الغاز المسيل للدموع في توزر
نواصل تدرجنا الجغرافي لنصل الى واحات الجريد، وتحديدا الى ملعب توزر الذي شهد اطلاق الغاز المسيل للدموع في مواجهة الجريدة لمستقبل المرسى وهو ما أدى الى هزم فريق الجنوب الغربي جزائيا ردا على محاولة اجتياح الملعب وغزو السلاح الأبيض ومشتقاته لأرضية الميدان المفترض أن تكون مسرحا لتنافس كروي نزيه ولا الى ساحة وغى وحرب أهلية ..

بنزرت أولا وثانيا
في مناسبتين وفي غضون ثلاث سنوات شهد ملعب بنزرت تجاوزات بالجملة والتفصيل تم في الأولى على هامش مواجهة النادي الصفاقسي تهشيم كاميرا ومعدات تقنية لقناة نسمة، ووصل الأمر نهاية هذا الأسبوع الى حد تبادل العنف بين بعض أحباء النادي البنزرتي وأعوان الأمن، ولئن كانت الشرارة انطلقت بسبب لقطة مقيتة من خالد القربي تجاه نبيل الكوكي، الا أن ما حصل غير مقبول وليس مبرّرا من جماهير نادي عاصمة الجلاء التي عرف عنها تعلّقها الخرافي بناديها في اطار احترام المواثيق والأعراف الرياضية
وليس بمثل ذلك النشاز...
وللدراما فصول أخرى
الثابت أن ما حفظته الذاكرة من تجاوزات فظيعة تعيش على وقعها كرتنا أكبر مما حبرناه بكثير، والدليل أن الجميع بات على اقتناع بأن "الغورة" هي الحل الأمثل والوحيد لجني الانتصارات في الكرة التونسية بعد اعدام الفرحة والفنيات وماشابههما من شعارات قبرناها منذ أمد بعيد..
الأزمة بلغت منتهاها في ظل التردّي الحاصل أخلاقيا وفنيا، ولذلك فان المطلوب من مالكي القرار في الرياضة التونسية هو التخلي عما اتصل بهم من سلبية مفرطة بتحرير القوانين من القيود الملتصقة بها حتى تكون مواكبة لروح "الثورة" عفوا الفوضى الخلاقة التي تسكن بين ظهرانينا...


اعداد: طارق العصادي